فتحت معركة مدينة الموصل ، باب الأسئلة المستقبلية حول مصير تنظيم “داعش” ورغبة الدول الكبرى( بالتحديد الولايات المتحدة وروسيا ) في شن حرب شاملة على هذا التنظيم ، أم انها تعمل وفقا لمعادلة إدارة الحرب مع “داعش”.
هذه المقالة تسعى إلى مقاربة استراتيجيات الدول الكبرى وطريقة تعاملها مع “داعش”:
وفقا لصحيفة ” واشنطن تايمز ” في 21ـ 6ـ 2016، غدا ل “داعش” منذ مطاع العام الحالي ، ستة جيوش ، موزعة بين العراق وسوريا ، ومصر، وليبيا ، ونيجيريا ، واليمن ، وأفغانستان ، فضلا عن خلايا نائمة في مختلف دول العالم يصعب حصر عناصرها ، ومع ذلك، بدا التنظيم في النصف الثاني من العام 2015، عاجزا عن التمدد، وعاجزا أيضا عن الإحتفاظ بأراضيه ،فخسارته ، نصف أراضيه في العراق، وما يقارب بين 16 في المائة و20 في المائة في سوريا، بحسب وزارة الدفاع الأميركية ، قلبت استراتيجية التنظيم ، من كونها هجومية ، إلى دفاعية ، ووضعته أمام أسئلة الوجود والمصير، وهذا ما أشارت إليه صحيفة “واشنطن بوست” في 6 ـ 2ـ 2016 ، حين كتبت : “الدولة الإسلامية” لم تعد تلك القوة التي لا تقهر في ساحة المعركة”. قد يكون مهما القول إن إحدى أهم نقاط ضعف “داعش” ، هي محاربته للعالم أجمع ، وإن أهم نقاط قوته عدم اتفاق العالم على طرق وآليات محاربته، وطوال سنتين تقريبا من ضربات ” التحالف ” الدولي ” ل “داعش” ،وبعد سنة كاملة من الضربات الروسية ، ظهر التالي :
1: إن هدف الضربات الجوية ، روسيا وأميركيا ، تطبيق سياسة الإحتواء الناري ل “داعش “وليس إلحاق الهزيمة الماحقة به ، وهذا ما كان لاحظه جيمس جيفري في مجلة ” اتلانتيك” الأميركية في 29 ـ 4 ـ 2016،، فطالب بالتخلي عن هذه السياسة ، “وعلى ما يرى المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، في مقالة له في “واشنطن بوست “أن على الولايات المتحدة ، أن تنتقل من سياسية مكافحة الإرهاب إلى سياسة الحرب على الإرهاب.
2: ركزت الضربات الأميركية ، وتاليا الروسية ، على المقار العسكرية لداعش” أوعلى جبهاته المتقدمة ، بينما بقيت مراكز التخطيط والإتصال والسيطرة ، بعيدة عن الإستهداف ، وسمح ذلك ، ل”داعش ” بالإستمرار في إدارة عملياته العسكرية والتواصل القيادي مع القطعات العسكرية على مختلف الجبهات. هذان العنوان ، يختزلان طريقة إدارة الأزمة مع ” داعش” ،وليس الحرب عليه ، وإذ بات واضحا أن ” داعش” ومثيلاتها ، يتغذون من الأزمتين السورية والعراقية ، وهما خرجتا من الإطار المحلي ـ الوطني ، إلى الإطار الإقليمي ـ الدولي، ، فذلك يعني أن الحرب الشاملة على الإرهاب ، غدت مقرونة بالوظائف والأدوار السياسية الجديدة لكل من العراق الجديد وسوريا الجديدة ، و ذلك بات مرتبطا كليا بثلاثة شروط :
ـ الأول : إتفاق ” السقوف العالية ” ، أي الولايات المتحدة وروسيا .
ـ الثاني : إتفاق ” السقوف الوسطى ” ، أي إيران وتركيا والسعودية .
ـ الثالث : إتفاق ” السقوف المنخفضة “، أي القوى المحلية في العراق وسوريا . لا شك أن الغرض من هذا الترتيب الذي يضع اتفاق القوى المحلية في ذيل القائمة ، يهدف إلى القول بأن اتفاق هذه القوى ، غدا أمرا مستعصيا في ظل تحول العراق وسوريا إلى ميدان للصراعات الإقليمية ـ الدولية ،فضلا عن حدة التشظي السياسي والإجتماعي التي عصفت بالبيئات العراقية والسورية ، وأما إتفاق القوى الإقليمية ، فلا تبدو عناصره متوافرة في خضم الصراع على مواقع النفوذ والوظائف الجديدة لدول الإقليم ، بالإضافة إلى حاجته للمظلة الروسية ـ الأميركية المشتركة ، وملخص كل ذلك ، أن إتفاق ” السقوف العالية” يشكل خارطة الطريق نحو الحرب الشاملة على الإرهاب ،وهي تحتاج إلى مقدمات هي :
1: حل سياسي في العراق قائم على الثقة المتبادلة بين مكوناته الثلاث : الشيعية والسنية والكردية .
2: حل سياسي في سوريا يقوم على الشراكة السياسية .
3: الحلول السياسية في العراق وسوريا ، غير مضمونة ما لم يكن الثلاثي الإيراني ـ السعودي ـ التركي ،فعال في إنتاج الحلول ،وقد يكون مفيدا هنا ، القول بطمأنة تركيا حيال الوضعية المستقبلية لأكراد سوريا ، وطمأنة السعودية بأن النفوذ الإيراني في الإقليم لا يستهدفها ، وطمأنة إيران تجاه نفوذها الإقليمي ،مما يعني أن تقتنع أطراف الصراع بمعادلة ” ربح ـ ربح” للجميع،وربما لم تكن الإدراة الأميركية برئاسة باراك أوباما بمعزل عن هذه المعادلة ، فالرئيس أوباما تحدث عن ذلك منذ العام 2014، ففي حوار مع الكاتب توماس فريدمان نشرته صحيفة” نيويورك تايمز ” أوضح أوباما :” أنه لن يدفع بأميركا نحو تدخل أوسع نطاقا في أماكن مثل الشرق الأوسط إلا إذا وافقت الجماعات المختلفة هناك على سياسة لا غالب ولا مغلوب التي تقوم على إشراك مختلف الأفرقاء”، وما يشابه هذه الرؤية ، كررها أوباما مع فريدمان أيضا ،في حوار نشرته ” نيويورك تايمز” في السادس من نيسان / إبريل 2015، فقال:” إنه سيبلغ دول الخليج بأنه يتعين عليها أيضا أن تكون أكثر فعالية في معالجة الأزمات الاقليمية”.
4: عدم الفصل في محاربة ” داعش” بين سوريا والعراق . 5: تفكيك تحالفات “داعش” القبلية والعشائرية ، بأساليب غير عسكرية ، من ضمنها التعهد بعدم محاربة العشائر التي أعلنت ولاءها ل “داعش” أو لغيرها.
5: إشراك العشائر في قتال “داعش” ، فتجربة ” الصحوات” العراقية لم تكن سيئة في هذا المجال ،حين انتفضت على تنظيم “القاعدة” بعد العام 2007 وقد ثبت خلال سنوات المواجهة مع “داعش” ، ، أن المكاسب الميدانية ضد هذا التنظيم أو غيره ، قد تحققت بالشراكة بين القوى النظامية والقوى غير النظامية ، (كوباني ـ سنجارـ تكريت ـ الرمادي ـ الفلوجة ـ تدمر منبج ).
6:إن ثلاثة عوامل ، تؤشر إلى صدقية القوى الكبرى واتفاقها على شن حرب مفتوحة على “داعش” والقوى المماثلة ، أولها ،الإتفاق الأميركي ـ الروسي على مواجهة جبهة ” النصرة” إذ هي مصنفة ضمن قوائم الإرهاب الدولية ، وثاني العوامل ، انتزاع إحدى المدن الثلاث الرئيسة من “داعش” ، أي الرقة ،أو دير الزور،أو الموصل،وثالث العوامل ، استهداف الشخصيات القيادية ل “داعش” ، وهي معروفة بالأسماء .
7: إن الحرب المفتوحة على ” داعش” ، تعني استهداف مراكز السيطرة والتواصل ، وكذلك الوسائط التكنولوجية ،فلغاية الآن ، لا الهواتف النقالة ولا ” الأنترنت” محظورة عن الأراضي التي تسيطرعليها “داعش” .
8:لا تزال مصادر تمويل “داعش”، ترتكز بنسبة كبرى منها ، على الإتجار بالنفط ، ولغاية اللحظة ، لا تلوح في الأفق ، بادرة انتزاع حقول النفط السورية من ” داعش” ، علما أن تجفيف مصادر التمويل عن الإرهاب ،يشكل مقدمات الحرب عليه.
9: إن الإشكالية المطروحة غربيا على وجه الخصوص، تكمن في كيفية مواجهة أصول الإرهاب ( سوريا ـ العراق ) و فروعه ( ليبيا ـ تونس ـ اليمن ـ سيناء وغيرها )، وعما إذا كان الأمر يتطلب حربا شاملة ،أو حروبا بالتجزئة تأخذ بالإعتبار العوامل المحلية لكل فرع . ما يمكن قوله ختاما ،إن شروط المواجهة الشاملة مع الإرهاب وعلى رأسه “داعش”، غير متوافرة حتى الآن ، لا روسيا ولا أميركيا ،فيما الإستثمار الإقليمي في الإرهاب يبقى على حاله في ظل غياب اتفاق ” السقوف العالية “، وهذا يترك مجالا للاعبين الإقليميين ،المستثمرون في الإرهاب والمعلنون الحرب عليه ، مساحة من الحركة الميدانية تتيح اكتساب نقاط محدودة في إطار حروب صغيرة ، قد تطول أو تقصر ،وفقا لإقتراب الإتفاق الأميركي ـ الروسي ، أو ابتعاده.
توفيق شوفان