قبل العام 2011 شُغل السوريون بتوحيد جهودهم لرفع المستوى الخدماتي والمستوى السياحي لمختف المناطق , بنيت الفنادق الكبيرة والمطاعم والمجمّعات التجاريّة والمنتجعات السياحيّة , كانت تستقبل سورية أعداداً هائلة من السياح سنويّاً , لرخصها والأمان السائد سابقاً والأوابد الأثرية والحضارية المنتشرة في مختلف المناطق في سورية .
وفي أشهر ثمانية من 2010 وحدها استقطبت سورية 5.86 مليون سائح .
انجذب التجار ورجال الأعمال لمواكبة الاحتياجات الخدميّة والسياحيّة المتنامية , دُفعت رؤوس الاموال في مشاريع لم ترى النور وأنفقت الموازنات على أصول عقاريّة أصبحت اليوم تحت سيطرة الفصائل الاسلاميّة أو تدور المعارك فيها .
في السنوات التي سبقت الأحداث تدافع رؤوس الأموال الخارجيين من دول الخليج والسوريين المغتربين للاستثمار في سورية , ساعد على ذلك تسهيلات حكوميّة وافتتاح المصارف الخاصّة وانتشارها والخيار السياحي لسورية كواحدة من الدول الآمنة وذات المناخ المعتدل والمتنوّع .
لم يكن السوريون ليقدّروا أن بدأ الأحداث سيأتي بالكارثة على القطاع السياحي والخدماتي بهذا الشكل فمع بدأ الأحداث في العام 2011 سرعان ما أوقف المستثمرون المشاريع المختلفة تحسساً للخطر القادم والذي بدأ باكراً بانتشار العنف في عدّة مدن سوريّة , فسارع هؤلاء السوريين منهم وغير السوريين إلى ايقاف المشاريع وتصفيتها وتسريح العمال وتعطيل عقود الشراكة .
أشهر فقط على بدء الأحداث بعدها كان المستثمرون الأجانب والخليجيين قد سحبوا معظم أموالهم وتمّت تصفيتها مفضلين الخسارات الجزئيّة على الخسارات الكبرى التي مُني بها القطاع السياحي والتجاري والصناعي في سورية خلال السنوات الخمس الماضية والمستمرّة حتى اليوم .
رتّب ذلك تعطيلاً لعشرات الألاف من فرص العمل وخسارات كبرى ناتجة عن المعارك في بعض الضواحي والأرياف والتي استهدف بشكل مقصود أو غير مقصود تعطيل كثير من المشاريع القائمة وتلك التي يتم العمل عليها , فكان مصيرها الاحراق والنهب واستخدمتها الأطراقف المتنازعة في تكتيكات قتاليّة وجعلوا من هذه الاستثمارات مقرّات للقنص والتحصّن .
مع تسرّب معظم رؤوس الأموال والتجار نحو البلاد المجاورة ونقل استثماراتهم وافتتاح مصانعهم هناك ظهرت طبقة جديدة من الأثرياء تحاول ملأ الفراغ وأخذ مكان الطبقات التقليديّة التي أصبح معظمها خارجاً .
أغلقت الكثير من الأماكن السياحيّة التي كان يرتادها ذوي الدخل المرتفع والسياح , المطاعم الكبيرة والمنتجعات الهامّة لم تعد تهتم بجودة الخدمات المقدمة , الهمّ هو الاستمرارُ فقط ولو كان تصنيف الفندق قبل الأحدث تراجع عدّة نجوم اليوم , المهم هو الاستمرار وعدم الاغلاق .
خلقت هذه العشوائيّة في جودة الخدمات المقدمة حالة من اللامبالاة سببتها ضعف الادرة وتسرّب أعداد هائلة من المهنيين والخبراء ليعملوا في وظائف عمل في دول الخليج والدول الأخرى .
تبدّل جمهور المطاعم الفخمة والفنادق الكبيرة , حلّت طبقات جديدة من الروّاد محلّ الطبقات التقليدية التي تزور هذه الأماكن , ولم تحظى هذه الطبقات الجديدة بنفس جودة الخدمات المقدمة سابقاً وخاصّة بعد الغلاء المتنامي وانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي لأكثر من 12 ضعفاً .
ومع اغلاق كثير للمحال التقليديّة كان النزع فرصة لكثير من المشاريع الصغيرة من كافيهات ومقاهي لذوي الدخل المتوسط الذين ضيّقت الخيارات أمامهم وصارت في أحسن الأحوال قضاء ليلة في المقهى مع الارتفاع الجنوني للأسعار وخاصّة الطعام والشراب .
أصبحت كثيرٌ من طرق السياحة في سورية اليوم متعذرة , السياحة الخارجية إلى سورية صفريّة , السياحة الداخليّة نادرة نظراً للوضع الاقتصادي المتردي يوماً بعد آخر , لم تعد الخيارات مفتوحة , تضيق خيارات السياحة الداخليّة لتكون في العاصمة ومناطق الساحل السورية المؤمّنة , ما تزال معظم المناطق السورية غير آمنة بالمطلق نتيجة لعمليات المد والجزر بين القوات الحكوميّة وفصائل المعارضة ومقاتلي الدولة الاسلاميّة وجبهة النصرة .
معهد ليفانت للدراسات