جدد المرشد الاعلى لايران السيد علي خامنئي فتواه السابقة بتحريم سب ام المؤمنين عائشة زوجة النبي، وقال خامنئي حرفيا (يجب ألا يسمح بانتهاك حرمة زوجات النبي الطاهرات” مضيفاً أن “زوجات النبي محترمات وكل من يهين إحداهن فقد أهان النبي. أقولها وبشكل قاطع).
سب زوجة النبي عائشة، كانت احدى الاسس التي يرتكز عليها الغلاة من اهل السنة للتحريض على الشيعة واثبات مشروعية عدائهم وقتالهم، وشد العصب المذهبي لحشد اعداد من الشباب حطبا لنار فتنة تحرق جميع المجتمعات العربية والاسلامية وتجعل من المنطقة اكبر مستنقع للجهل والتخلف المبني على شقاق التاريخ البعيد ، الذي وبكل اسف مازال يلعب دورا مركزيا في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
في ذات الوقت وبعد كلام الخامنئي بيوم نقل عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كلاما قاله لمقاتليه اوصاهم فيه بتمثل اخلاق النبوة في القتال ، وعدم التجاوز، وحرم سب الصحابة او التعرض لهم، واشار الى ان من يفعل ذلك يرتكب اثما، ويوفر ذخيرة وسببا لاعداء الحزب من المتطرفين لحشد انصار تحت راية الدفاع عن العقيدة . السيد نصرالله والخامنئي هما ابرز المرجعيات الدينية عند الطائفة الشيعية ، وهذا ينطبق على الموقع السياسي والعسكري ايضا للرجلين . وهذا الكلام الصادر عنهما له وزنه وثقله ومكانه عند عموم الطائفة ، لكن لماذا اطلق الزعيمان هذا النداء وبشكل متزامن؟
ليس خافيا على احد ان التطرف والتشدد وما يصاحبة من عنف دموي لجماعات رفعت راية الاسلام، اعتمد في خطابه على مشروعية قتال الشيعة والعلويين والطوائف الاخرى بحجة انهم طوائف منحرفة عن الدين، وان قتال الشيعة يكمن في ان الطائفة الشيعية تعادي الصحابة وزوجة النبي عائشة، تحت هذه العناوين يستقدم الشباب للدفاع عن العقيدة، فيقتلون الجميع من السنة والشيعة المسيحين والمسلمين وكل من يخالف نهجهم من اي طائفة ومذهب وديانة، لتحقيق مشروع يتجاوز العداوة مع الشيعه الى تغيير هوية المنطقة باكملها.
واذ يطلق خامنئي ونصر الله مجددا التاكيد على حرمة ما يتذرع به تنظيم الدولة واخواته من اصحاب الفكر الالغائي، فانهم يمدون اليد للطائفة الاخرى حتى لا يخطفها خطاب التطرف جميعها، ويتحول اصحاب هذا الفكر العنيف الى ناطقين باسم الطائفة السنية باكملها. ومدافعين عن ذود مقدساتها، في وجه من يشتم هذه المقدسات. ان خطاب مد اليد هذا والتصميم من مراجع عليا في الطائفة الشيعية على ازالة الشوائب والمثالب. والوقوف موقف حازم منها بالفتوى والوصايا والتوعية. يطرح على الجانب الاخر، ايقاف شيطنة طائفة هي جزء لا يمكن فصلة عن بنية المجتمع العربي والاسلامي، ولا يمكن محوه ولو خضنا حروبا لعقود وبملايين الضحايا وبرك الدم. ان خطاب التحريض في المنابر الدينية وبعض وسائل الاعلام العربية على الشيعة ومعتقداتهم وعباداتهم، وان كان معروف لدينا ان الهدف الكامن وراءه هو هدف سياسي يقع في التناحر الحاصل بين ايران والسعودية تحديدا لاسباب سياسية بحته، الا ان هذا التحريض المستمر يوفر المادة الدسمة والذخيرة الكبيرة للتنظيمات المتطرفة التي تستفيد بشكل هائل من هذا التحريض والشحن المستمر لبقائها وزيادة قوتها وبالتالي انقضاضها على الجميع وليس على الشيعه وحدهم ، ان كلامي هذا تدعمه الوقائع والاحداث الراهنة، في معظم البلدان العربية، ومن يظن انه الان في مأمن فهو حتما لا يملك مفاتيح التحكم لما سيحدث غدا. اشعر بالاسف الشديد وانا اكتب مقالا بالقرن الواحد والعشرين عن خلاف الطوائف الاسلامية واقتتالها، اشعر بالاسف لان شبابا ياتون من اصقاع الارض لازهاق اروح بريئة بزعم التقرب الى الله، ولاننا مازلنا سجناء اساطير التاريخ ،بينما تنطلق الامم لبناء مجتمعاتها بالعلم والمعرفة والبحث والفكر. اذا كان ثمة خلاف سياسي بين السعودية وايران او بين العرب وايران فيجب ان لا تستخدم في هذا الخلاف او الصراع سوى الادوات السياسية او اذا شاؤوا العسكرية . ولكن استحضار البعد المذهبي ونبش قبور التاريخ لتحقيق مكسب سياسي كما يفعل بعض اخوتنا العرب في مركز صنع القرار، فانه يعني اننا نطلق النار على ارجلنا اولا قبل ان نطلقها على ايران، ان التنوع الطائفي والمذهبي، وخاصة السني والشيعي موجود داخل مجتمعاتنا ودولنا العربية، فهل نحرض ونشحن لاباحة قتل جزء من نسيجنا الممتد لالاف السنيين ونقسم دولنا ونفتت مجتماعتنا لاننا نريد مواجهة نفوذ ايران . الى اين تسيرون بنا؟
خطاب السيدان الخامنئي ونصرالله هو خطاب الاعتدال في مواجهة الغلو عند الطائفة الشيعية، وعلى هذا الخطاب ان يجد من يمد اليد له بمثله بالضفة الاخرى. وليكن الخلاف والاقتتال والتنافس والصراع بعيدا عن الدين وتاريخيه. ان تناقضنا الاساسي والجوهري هو ليس مع الشيعه العرب او غير العرب انما هو مع عدو واحد يحتل ارضنا العربية ويقتل يوميا شعبا عربيا نسيناه في زحمة الاحقاد هو الشعب الفلسطيني ويهدد هذا العدو وجودنا كعرب وكمسلمين جميعا ودون استثناء، اما التناقض الاخر هو تحدي خروجنا من الجهل والتخلف وبناء علاقات مبينة على الاحترام والندية مع الامم والشعوب الاخرى التي تحتقرنا وتسخر منا ومن صراعاتنا وعناوينها المذهبية المقيتة. انكم يا اصحاب القرار ومن حولكم من نخب منتفعة بمالكم تزين لكم اعمالكم تسيرون في الاتجاه الخاطئ، والى ان تكتشفوا ذلك تكون قد احترقت كل الاصابع.