اذا عدنا بالذاكرة الى بداية الاحداث في سوريا عام 2011 ، فان ما جرى في بدايتها كان يحاكي نموذج تدرج الاحداث في ليبيا التي سبقتها ، فيما عرف بثورة 17 فبراير ، حتى اننا يمكن ان نقول يقينا ان من رتب للاحداث في ليبيا ونجح واعني دول في المنطقة باتت معرفة الاسم والعنوان ارادت ان تكرر نفس السناريو في سوريا بحذافيره ، . رفعت تلك الثورة في ليبيا علم الملكية زمن السنوسي والغت علم ليبيا الاخضر ، وهذا ما فعله بالضبط التحرك في سوريا ، الذي اطلق عليه ايضا صفة الثورة ، في الاولى نجح التغيير بقوة الناتو وتم تثبيت العلم القديم ، والثانية لم ينجح وبقي علم سوريا وهو علم الوحدة السورية المصرية ذو النجميتن، هو العلم المعتمد في الامم المتحدة والجامعة العربية ، وانحسر رفع العلم القديم زمن الانتداب الفرنسي على سوريا ذي الثلاث نجمات في الواقع الراهن حتى في ايدي المقاتلين في الميدان السوري ضد الجيش السوري وحلفائه. كذلك فشل تكرار السناريو الليبي في الحالة السورية في ايجاد جسم سياسي للمعارضة كالمجلس الانتقالي الليبي ، وتنحى المجلس الوطني لصالح الائتلاف المعارض الذي اختلف اطرافه على رؤية جامعة للحالة السورية ، فيما جرى مؤخرا محاولة اعادة تجميعها في الرياض ولاتبدو المحاولة مكتملة حتى اللحظة، ولكن ليس لادارة البلاد كما فعل المجلس الانتقالي بعد سقوط النظام الليبي ، انما لمفاوضة النظام القائم في سوريا على حل سياسي. طبعا لا نتحدث عن نموذج ناجح في ليبيا لان البلاد تدفع الان ثمن ذاك السناريو الارتجالي باهظا. ولكن نجري مقارنة بين المفردات والسياسيات واساليب خلق التغيير التي ابتكرها المبدعون من ابناء جلدتنا. والتي ادت الى التغيير بالاتجاه الخاطئ وعكس ما تطمح اليه شعوبنا العربية.
ومن تلك المحكاة للتجربة الليبية كانت تبني مفردة ((كتائب الاسد)) لاطلاقها على الجيش السوري وحاليا تطورت المفردة جزئيا فقط الى ((جيش النظام)). تلك تحاكي ما اطلق على الجيش الليبي وهي صفة ((كتائب القذافي)) والتي نجحت في حينها نجاحا باهرا وصارت مفردة معتمدة في اكثرية وسائل الاعلام العربية والعالمية.
هذه مفردة براينا سقطت الان ، ولكن لم يسقطها اعلام السلطة السورية او جهد طاقمها الدبلوماسي ، انما اطلق عليها رصاصة الرحمة المتحدث باسم الخارجية الامريكية جون كيربي ، الذي قال حرفيا (( انّ مؤسسة الجيش السوري ، هي إحدى مؤسسات الدولة التي ينبغي الحفاظ عليها بمهماها الأمنية))”.ونفهم هذا التصريح في مجموعة ابعاد.
اولا- سقطت مقولة(( كتائب الاسد)) وهي ابعد من مصطلح لفظي فقد اريد منه نزع الشرعية عن مؤسسة الجيش السوري كاهم خطوة لنزع شرعية النظام وتحويله الى عصابة لديها كتائب وميليشا واعطاء شرعية لقتاله وهزيمته.
ثانيا- يمهد هذا الموقف لاعطاء شرعية امريكية وربما دولية لعمليات الجيش العسكرية واخرجها من دائرة مقولة ((الجيش يقتل الشعب))
ثالثا – تمهد هذه الخطوة لاشراك الجيش السوري والتعاون معه في الحرب على الارهاب في سوريا ، وربما دعمه لاحقا . وفي هذه النقطة نعتقد ان هناك قوة على الارض قد تكون الحصان الاسود في الازمة السورية ميدانيا وسياسيا وهي(( قوات سوريا الديمقراطية)) التي اصبح لها جسم سياسي يمثلها ويراسه المعارض السوري هيثم مناع . وتتميز هذه القوات بالاضافة الى تسليحها الجيد وفاعليتها في الميدان ضد تنظيم الدولة ، انها تضم مقاتلين وسياسيين من طيف واسع من المكونات السورية، اصحاب التوجه العلماني وكنت قد كتبت مقالا هنا منذ شهرين عن هذه القوات وكانت جديثة التشكل حينها، ونعتقد ان التعاون سيكون بينها وبين الجيش السوري باكورة التعاون الروسي الامريكي على الارض السورية.
ولكن بالوقت نفسه لا نستطيع ان نذهب بالمراهنة على الموقف الامريكي الاخير من الجيش السوري بعيدا ، فالولايات المتحدة قد لاتنظر الى الجيش السوري المستقبلي لسوريا الجديدة ، كما هو عليه الان، وقد يكون عينها على تغيير في بنيته وعقيدته ولو تدريجيا وقد يكون اولا ازاحة الصف الاول من ضباطه وقادته ، وهذا رهن التفاوض الخلفي الذي سيجري في موزاة التفاوض السوري السوري على الحل.
المنوذج الليبي في سوريا استمكل فشله ، والتقديرات الدولية لمالات الصراع في سوريا وشكل الدولة الجديد تغيرت ، بقي ان تتغير التقديرات السياسية والعسكرية العربية التي لا تبدو انها تلحظ التطورات بسرعة، ولكنها ستلحظها حتما.