بين تشرين 1973 وتشرين 2016، سوريا لا زالت صامدة وتقاوم، فحجم الهجمة يتنامى وتتكالب قوى النهب الدولي وتستشرس بشكل غير مسبوق وتضع امكانيات هائلة للسيطرة على سوريا، وتشاركها في ذلك عشوائيات الخليج من “إمارات” و”ممالك”.
وإن كنا لسنا في وارد اعادة استعراض مراحل الهجمة التي لم تنقطع منذ اواخر الخمسينيات، حيث باتت القصة معروفة ولا تحتاج الى الكثير من التذكير، إلّا أنّ استعراض المرحلة الأخيرة لهذه الهجمة لا بدّ منه كمقدمة ضرورية لفهم طبيعة الصراع وتبيان حقيقته وماهيته.
في شهر آذار من العام 2003 وبعد احتلال العراق من قبل القوات الأميركية، قام وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول بزيارة الرئيس بشار الأسد لإبلاغه بمجموعة من الإملاءات التي كان اهمها قطع سوريا لعلاقتها بالجمهورية الإسلامية وقطع الدعم عن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، ووقف اي شكل من اشكال التعاون مع ايران والمقاومتين، وإلّا فإنّ سوريا سيكون مصيرها مشابهًا لمصير العراق.
هذه الإملاءات نفسها طرحها كولن باول مع الرئيس اللبناني اميل لحود وكان الجواب من الرئيسين بشار الأسد واميل لحود الرفض القاطع، وهو ما ادى الى اطلاق مسار معادٍ لسوريا والمقاومتين اللبنانية والسورية، بدأ باعلان الكونغرس الأميركي قانونًا تحت عنوان “قانون محاسبة سوريا” وهو الذي أُتبع بقرار من مجلس الأمن حمل الرقم 1559 تضمن مجموعة من البنود تتعلق بخروج سوريا من لبنان وتسليم المقاومة لسلاحها، وأمور اخرى انطلقت من الإملاءات الأميركية.
رفض سوريا للقرار لم يمنع اميركا والغرب من توفير الظروف والمعطيات التي تساهم في خروج سوريا، وعلى رأسها اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي لا يزال حتى اللحظة يشكل نقطة ضغط وابتزاز من خلال اتهام سوريا والمقاومة اللبنانية بتنفيذ الإغتيال.
وما بين عدوان 2006 على لبنان والإعتداءات المتتابعة على قطاع غزة منذ العام 2008 وصولًا الى اطلاق الحرب على سوريا، الكثير من نقاط الترابط التي تهدف الى تنفيذ الإملاءات الأميركية بالقوة من خلال فتح المواجهة على مصراعيها واستقدام عشرات آلاف الإرهابيين من كل اصقاع الدنيا، وتأمين مستلزمات الإعتداء على سوريا من سلاح وعتاد ومال وغير ذلك.
وما بين التشرينين علاقة وثيقة لجهة الصلابة في اتخاذ القرار وعدم التخلي عن الثوابت الرئيسية المتعلقة بحقنا في الحفاظ على سيادة بلداننا واستثمار طاقاتنا وثرواتنا، وعدم السماح بتقطيع اوصالنا ومنع اميركا ومن معها من تحقيق اهداف المشروع الجهنمي في تحقيق الفوضى العارمة وتقسيم المنطقة.
قد تبدو الجملة الأخيرة جملة انشائية غارقة في العاطفية والوجدانية، إلّا انها الجملة التي شكّلت وستشكل الأساس الذي بنت عليه القيادة السورية وقيادة المقاومة في لبنان اسس وقواعد المواجهة المستمرة والمتصاعدة.
وبعد خمس سنوات ونيف من اطلاق الحرب على سوريا، وانطلاقًا من مقاربة مسار الصراع والبناء على قواعد البحث العلمي، يمكننا القول اننا في المرحلة الأكثر صعوبة وتعقيدًا ووضوحًا في نفس الوقت، حيث بات الإنقسام واضحًا بين فريقين لا ثالث لهما وهو فريق الدفاع عن سوريا وفريق اعداء سوريا سواء في الجانب السياسي او الجانب العسكري. ومما لا شك فيه ان تبلور الإصطفافات سيكون اكثر وضوحًا في المرحلتين الحالية والقادمة، حيث اظهرت اميركا كل نواياها ولم تعد في مرحلة تجميل الطروحات، وما مبادرة ديميستورا والتي نعلم ان اميركا وراءها في إخراج 900 مسلح من حلب إلّا قناعة اميركا ومن معها بأن معركة حلب على طريق الحسم، ومن بين الذين تحاول اميركا اخراجهم قادة اساسيين من جبهة النصرة وضباط استخبارات وعمليات اجانب بينهم ضباط غربيين واتراك ومن السعودية وقطر لمنع وقوع فضيحة مجلجلة تضع اميركا في خانة المشاركين في المعركة مع جبهة النصرة.
الأجواء الحالية للتوتر المتصاعد بين روسيا واميركا قد تصل بالأمور الى مرحلة المواجهة المباشرة، خصوصًا ان الروس باتوا اكثر خبرة ودراية بسياسة الخداع والمناورة الأميركية وبدأوا برفع مستوى وجودهم العسكري في سوريا، وانتقلوا بهذا الوجود من المؤقت الى الدائم عبر قرار من الدوما الروسي وموافقة الدولة السورية.
وما يساهم في رفع مستوى التوتر هي الإنتصارات المتتالية للجيش السوري على اغلب الجبهات، والذي تقرأه القيادة العسكرية الأميركية وتعرف نهاياته التي ستقضي على ادوات اميركا من الجماعات الإرهابية التي تشكل رأس حربة المشروع الأميركي.
قد يتوتر البعض من التهديدات الأميركية بتوجيه ضربات لسوريا عبر استهداف بعض البنى الإستراتيجية العسكرية والمدنية، ولكنها في الحقيقة رغبات اميركية اذا لم تُحسب بشكل جيد فانها سترتد على اميركا وربيبتها “إسرائيل”، حيث لا تزال سوريا تحتفظ بقوة الردع الصاروخية وكذلك المقاومة اللبنانية، وهو ما يمكن ان يعيد التوازن الى بعض العقول الأميركية المتسرعة والحمقاء.
انطلاقًا من تغير معادلات السيطرة وموازين القوى على الأرض السورية التي بدأت بالميل لمصلحة الدولة السورية، فإنّ معالم وشروط النصر بدأت بالتغير وهو ما يستلزم المزيد من الجهد والدراية في ادارة الصراع والتنبه من الخداع الأميركي، وربما الحماقات التي يجب ان تُؤخذ بجدية ويتم التعاطي مع التطورات بحذر شديد.
ورغم كل التعقيدات، فإنّ الدولة التي صمدت على مدى خمس سنوات ونصف تستطيع ان تحقق الإنتصار الذي بدأت معالمه بالتكون والوضوح
المصدر : بيروت برس