أنا أؤمن تماماً أن الناس جيدة بطبعها
وما نراه من سوءٍ في طباعهم هو جرحٌ نفسيٌّ عميق
الشرُّ عند الناس هو عندي ليس أكثر من
” إعادةُ تدوير لشرٍّ سابق ”
فالذي يظلم هو شخصٌ مظلومٌ سابقاً
و الذي يقسو هو شخصٌ عانى من القسوة في زمانه
و الذي يضطهد هو شخصٌ تلقى الاضطهاد ( غالباً في منزله )
و الذي يؤذي عموماً هو شخص قد أُوذي في الماضي
.. الخ
هذا الشخص يقوم بإعادة تدوير ما لاقاه ( خصوصاً في طفولته ) ثم يُنتجه بطريقة جديدة و مع أشخاص جدد وظروف جديدة ..
إنما المنتج يبقى واحداً، بِحلة جديدة
كل ما حصل معه أنه لم يتصالح مع جُرحه
مع الشرّ الذي تلقاه في حياته
لم يعترف به
لم يُسالمه
لم يتخلص منه
أو لم يجعله ” أقل ” على الأقل .
ما زال بداخله يدفعه دفعاً ليعبر عن نفسه
مازال بداخله كخبرة لم يألف ولم يُتقن غيرها .
شخصياً لا أُفضّل أن تكون طريقتي الأساسية في تعلم القيم وإدراكها أن أمارسها أو أن أقرء عنها أو أن أستشعرها .. الخ
أُفضّل ببساطة أن أفهم الجانب المظلم فيَّ ، أُفضل أن أفهم غضبي وقلقي واحباطي ، أُفضّل أن أتعرف أكثر وعن قرب على كراهيتي ، على قسوتي ، على سخطي ، على كبتي ، على رغبتي ..
” العدل ” -كأعلى قيمة إنسانية بنظري- لم أحاول في حياتي أن أمارسه أو أن أتعلم كيف أكونُ عادلاً مع نفسي ومع الآخرين ، الذي فعلته هو أنني بدأت برحلة استكشاف عميقة وجميلة ومزعجة قليلاً :
” كيف ومتى وأين ظُلمت في حياتي ؟ ”
برأيي جوابُ هذه الأسئلة يُمكّنني أن أخطو خطوة كبيرة في أن أكونَ عادلاً ، وبمعنى أدق : أن أكونَ أقلَّ ظلماً !
نعم ، لا يوجد إنسانٌ عادلٌ بشكلٍ كامل ، يوجد من هو أقلُّ ظلماً لنفسه ولغيره ..
يوجد من يظلم ، ثم ينتبه ، فيُصحِح .
بعد أن أجيب على هذه الأسئلة الكبرى ، أحاول أن أقبل وجود هذا الظلم في داخلي كحقيقة واقعية ، كما هي ، دون أي اضافات أو تشويه للواقع ، دون مقاومته، لأنني سأدخل بدوامة أُخرى مضللة ، مثل أن : ( أكرهُ كُرهي !! )
حتى الآن أكونُ قد أنجزتُ انجازاً عظيماً ، سأصير أقلّ ظلماً.
ببساطة لم أتعلم العدل ، لكنني لستُ مستاءً في أعماق عقلي منه لأضّطر أن أُخرجه إلى الواقع لاشعورياً ! كما يُخبرنا علم النفس .
هكذا تخلصتُ من كراهيتي لنفسي ، و للناس ، و لله
حُبّي لهم لم أتعلمه يوماً ، بل كان نتيجةً عفوية عندما بدأتُ التعرفَ على نصفي المظلم
عندما صِرتُ حقيقياً أكثر.
أحمد فارس العلي