” القيم أعلى من المشاعر ويجب أن تخضع المشاعر للقيم ” ستيفن كوفي
من الممكن أن تكون كلمة الحب من أكثر الكلمات التي استُخدمتْ على لساننا ، وخضعت للشرح ، وضُربت عنها الأمثلة ، وكتبَ عنها الكاتبون ، وعايشها الناسُ بمختلفِ أحوالهم وأحلامهم ، وصرّحوا بها تعبيراً عن الأملِ تارة والألم تارة أخرى ..الخ
وبين هذا كلِّه ، واضحٌ جداً أن معناه المستخدم شعبياً غير صحيح ، وربما كارثي !
أولاً، الحب ليس شعوراً ولا هو من مصفوفة المشاعر وما أُهينَ الحب إلا حينما اعتُبِرَ أنه مشاعر !
الحب قيمة والفرق كبير جداً بين المشاعر والقيم
الحب : قيمة ، تتجسد بأفعال تدلُّ عليه ( اهتمام ، عطاء ، تعاطف ، انصات ، صبر ، مشاركة، تقدير ..الخ ) و ثمرة هذه الأفعال هي المشاعر.
وكتشبيه : الجذر هو ” قيمة الحب ”
والساق هي ” أفعال الحب ”
والثمرة هي ” المشاعر ”
و هو فعلٌ واعٍ حر
أما المشاعر التي تنتابنا تجاه إنسان آخر فهي “العشق ”
و هنا نتكلم عن نظرة واقعية و علمية ، وليست لغوية
و العشقُ تشعر به عند لقاء محبوبك ونسميه خطأً : ( وقع في الحب ) ! في الحقيقة لقد وقع في العشق ..
وبهذا الخطأ نقعُ في الفخ !
فلو كان الحبّ مشاعر _ وهي متقلبة ومتغيرة _ فحبك للآخر سيكون متقلباً ومتغيراً حسب ظرفك ومزاجك ! ..
بالتالي إن حدثت مشكلة بين اثنين أو أصاب العلاقة طارئٌ من روتين أو مصاعب وعثرات وضغوط و أوضاعٌ ملازمة للعلاقة ، تنخفضُ معها لزاماً “المشاعر الايجابية ” فسيكونُ التصور الذهني البسيط : أنّ الحبّ قد رحل !
وهنا أُسُّ المشكلة.
و من المفاهيم المغلوطة في ثقافتنا أن الحب يحمل معه ألماً ومعاناة ، وعزّز هذه الثقافة كمٌ هائل من الأغاني والقصائد التي تعبر عن تجارب شخصية بأفضل الأحوال، إن لم تكن تجارية !
يجدرُ القول بثقة كبيرة. ” أنّ المعاناة دليل غيابِ الحب” ،
الحب يحمل بتجلياته المسامحة والعطاء واحترامُ المسافات وحرية الآخر ليكون كما هو ، لا ليكون مركز حياتي ، ويحمل بتجلياته أيضاً حُبّي لذاتي واكتفائي.
الألمُ نتيجةُ العشقِ لا الحب .
العشق مشاعر ، وبيلوجياً هو كيمياء و هرمونات تفرز بكثافة كالدوبامين ( هرمون المتعة ) و الاكسيتوسين ( هرمون الحب ) عند لقاء المحبوب أو ذكره أو تذكره ..الخ
وإن إدمانك على شريكك هو مايسبب الألم،فهو مصدر كبير للدوبامين! لذا قد يلجأ البعض في حالات الفراق الحادّة لتعويض الدوبامين الناقص عن طريق التدخين مثلاً ( النيكوتين يساعدعلى فرز الدوبامين ) .
والدوبامين المفقود يجب أن يُعوّض عن طريق اعتنائنا بأنفسنا أكثر.
العشق شيء جميل و ممتع وهو مشاعر لا إرادية
تظهر بظهور أي شيء تُشغف به ، وفي الغالب يظهر في العلاقات في بدايتها ، لأن الآخر يتوافق مع ميولي النفسية والجسدية و الفكرية ، فتحدثُ تلك الدفقة العاطفية التي تصوّر لنا الآخر أنه سعادتنا الكبيرة. لكن العشق لا يعتمد عليه بإنتاج علاقة فعالة وهادئة ، أي يجب أن يُتبع بالحب !
وهذا الأخير كما قلنا هو فعلٌ واعٍ و مستقل .
فالعاشق ( وليس المحب ) تغيُّرُه المفاجئ وأفعاله الأسطورية وغيرته الشديدة ولهفته للمعشوق ليست أفعالاً إرادية حرة تماماً، إنما هو مدفوعٌ بقوى هومونية عالية تجعله يضحي بأي شيء لأجل معشوقه.
أما المُحب ، فهو يختار دون دوافع مُساعدِة أن يعطي ويشارك ويهتم ويغازل وينصت ويكرم ويساعد ..الخ
-يتضحُ هذا ، كمسلسل درامي بعد فترة من العلاقة ( ثلاث سنوات غالباً ) ، فعلمياً بعد ٣ سنوات تنخفض الهرمونات تدريجياً ويصبح الشريكين دون دوافع هرمونية كبيرة تدفعهم للشغف والأفعال الأسطورية التي نراها في بداية العلاقة والخطبة ربما ..
فإن كان عاشقاً ( وليس محباً ) فالعلاقة ستفتر بعد انخفاض المشاعر تدريجياً وإن كان محباً ، سيستمر بوتيرة أعلى وأعلى ويحافظ على مستوى الشغف ( العشق ) لأنه أصلاً مستمرٌ بأفعال الحب التي ثمرتُها مشاعر العشق ، وهذه الأفعال حرة وإرادية ويفعلها متى يقرر بغض النظر عن دوافع هرمونية أو غيرها ..
لكن علينا أن نتذكر أن مستوى الشغف عند المحب منظم و صِحّي ، وليس مضطرباً ، لأنّ المحبَّ يدرك تماماً أن العلاقة المتينة والفعالة هي علاقة تُبنى على الأفعال التدريجية والواعية بشكلٍ أساسي لا على المشاعر.
إذاً نخلصُ لنتيجة بديهية : أن العشق إما أن يأتي في بداية العلاقة كدفقة انفعالية لشخص يوافق ميولي ، أو سيأتي حُكماً بعد أن أقرر أنني سأكون محباً( بأفعالي ) !
في الحالة الأولى سيأتي مضطرباً ، بالتالي يحتاجُ لضبطٍ ومراقبة.
وفي الحالة الثانية سيأتي منظماً تدريجياً وفعالاً ، يسمحُ ببناء علاقة ناضجة.
لا أقوم بدعوى غير مباشرة لتبني الحالة الثانية، بل أدعو بوضوح وحزم إلى تبني الحبَّ كطريقٍ آمنٍ في الحالتين، الحبُّ شخصية قوية تقرر ما تفعله ، و تدريب وادراك و وعي و وممارسة.
عودة الى مقولة ستيفن كوفي
“القيم أعلى من المشاعر ”
أي مهما كانت مشاعرنا
علينا أن نضبطها بالقيم.
( هذا هو الذكاء العاطفي باختصار )
و بمايخص حديثنا:
فالحب أعلى من العشق و أقدس وأروع ومقدر أكثر لأنه حُرٌ بالدجة الأولى ، وارتباطه بالعشقِ ارتباطُ دعمٍ ومساندة لنقوم بأفعال الحب ، التي تثبتُ أننا لا نكتفي بكلامٍ ولغوٍ لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع، بل نبني علاقة أفعالٍ ومواقف، علاقة آمنة وأمينة.
جميل أن نعشق ونُشغف دون أن ننسى أنّ علينا ضبط مشاعرنا بالقيم و تحديد ما هو مناسب وغير مناسب حسب قيمنا وليس حسب مشاعرنا.
فإن غابت يوماً ما مشاعر العشق بسبب مشكلة أو اعتياد طويل في العلاقة أو غيرها فأمامنا فعلُ التالي كحلٍّ عام :
١-تأسيس قيمة الحب وادراك معانيها، وربط سلوكنا بقيمنا.
٢- أن نقومَ بأفعال الحبِّ تحديداً لتثمر عشقاً.
——– هامش: كل محب عاشق والعكس غير صحيح.
أحمد فارس العلي