قد اعترف السيد نصرالله في خطابه التأبيني بمناسبة أربعين الشهيد ذوالفقار أنّ لكفّهِ خمسَ أصابع، وهذا ما شكَّل صدمة القرن لدى الأوساط الأمنية والاستخبارية الإقليمية والدولية، أحقًا هي خمس أصابع -منها أصبع يعرف اللبنانيون ما وراءها كما تقول العربية- إنها الهدية الأثمن التي يقدمها النفط للعالم، فمن خلال تفرده بالغوص في أعماق خطاب السيد على مدى أكثر من ساعة وسبر أغواره وفك شيفرته واستخلاص خفاياه، يستنتج إعلام النفط بذكاءٍ طبيعي وصناعي مختلط، أن حزب الله يتلقى تمويله من إيران، والحقيقة أن اللغات عاجزة عن ابتكار كلمات شكر تفي هذا الاكتشاف حقه، فلولا هذا الاختراق العظيم في جدران الغيب وسدود المستقبل، لظلّ العالم يتخبط في ظلمات جهل مصادر التمويل. ولكن هناك أعراض جانبية لهذا الاكتشاف على النفط سرعة استدراكها، فالنفط أثبت أنه كاذبٌ غير محترف، فالكذوب المحترف ذَكُور والنفط ليس ذَكورًا، حيث نسي أنه وعلى مدى أعوام ظل يبهرنا باكتشاف مصادر تمويل الحزب من خلال تجارة المخدرات وغسيل الأموال والجريمة المنظمة عمومًا، حد القناعة بأن على ذراع السيد نصرالله وشم لجمجمةٍ مع عظمتين متعارضتين أسفلها، وهذا أحد أسباب حرصه على عدم ارتداء الملابس الصيفية.
أجمع النفطيون بأن خطاب السيد نصرالله كان مأزومًا عصبي المزاج وشديد التوتر، وهذا دليل الأزمات الطاحنة التي يعانيها الحزب على كل المستويات، فهو مأزوم عسكريًا في سوريا ومأزوم ماليًا بعد قانون العقوبات ومأزوم اجتماعيًا حيث بدأ التملل حد الحنق في بيئته جراء الخسائر في الأرواح، ورغم أن النفط مشهود له بالرقي التحليلي إلا أني لا أعرف سببًا لهذه السقطة اللامغفورة في تحليل دلالات العصبية والتوتر، فالنفط لم يلحظ أن الخطاب كان في نهار رمضان، مما أفقد السيد ميزة “الليموناضة”، وعلى النفط أيضًا استدراك هذه الخطيئة، كما هناك استدلال نفطي آخر لا يقل ذكاءً وحرفيةً عن سابقاته، حيث أن السيد نصرالله لم يأت على ذكر التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر، وهذا دليل توثيقي على ارتكابه الجريمة، وهنا أيضًا سقطةٌ نفطيةٌ أخرى، حيث قام السيد نصرالله بتجريد أي مطلقٍ للنار في الهواء تحت أي مبرر من كل حقوقه النضالية والانتمائية، فهل يستطيع جهاز شعبة المعلومات اتخاذ قرار بهذا الحجم، فيجرد المفرقعين حول البنوك من أقنعتهم وحقوقهم، وفي ذلك الوقت قد يكون وجيهًا الطلب من السيد نصرالله اتخاذ موقف، فليس من الحصافة أن تندد كمتهمٍ بأفعال من سبقك إلى جنازة قتيله، بل الأفضل أن تدين كبريء وأنت تنظر لمشنقة القاتل.
والحقيقة أن النفط له كامل العذر في التمحك بأسوار خطاب السيد دون التجرؤ على الخوض في فسحته الداخلية، فهو لا يملك قدرة تفنيد قرائن السيد عن كون السعودية أداة لمشروع تكفيري لمصالح أمريكية صهيونية، وأنها الداعم الأكبر للإرهاب سياسيًا وإعلاميًا وماليًا وتسليحيًا وفقهيًا وبشريًا، كما لا يملك نفي تبعية الملك البحريني لها وأن قراراته مرهونة بإشارة أمراء صغار وليس الملك، كما لا يستطيع ابتكار ستائر لفظية مهما أوتي من حرفية تخفي ارتهان وفد الرياض “اليمني” في الكويت للمزاج السعودي، حتى حين قام النفط باستراق النظر من خلف الأسوار ورأى السيد نصرالله يجاهر بالرقم الحقيقي لشهدائه وهو 26، أغفل رقم قتلى الإرهابيين في نفس الجملة وهو 617. إلا أن المدعو أسعد الزغبي رئيس ما يسمى بـ”وفد الرياض” إلى جنيف، وحين سؤاله على قناة العربية عن العدد الحقيقي لشهداء حزب الله، أجاب بأن الحزب يخفي العدد الحقيقي لـ”قتلاه” لكنه قتل في هذا الشهر فقط 617 مدنيًا بريئًا في حلب، وهذه الزلة من لسان الزغبي وكل حديثه زلل، تشير إلى هوية الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء الذين يقتلهم الحزب والجيش السوري ويبكيهم النفط ليل نهار.
والمعركة في حلب قد اعتبرها السيد نصرالله استراتيجية وفاصلة، والأهم أنه لا خيارات فيها إلا النصر، وفي ليلة الخطاب بدأ قصف مركّز وعنيف على مراكز الإرهابيين في بني زيد ومخيم حندرات وعلى طريق الكاستيلو بما يشبه الختم بالنار على كلام السيد نصرالله، وبعيدًا عن النصر المؤكد الذي بشر به السيد في حلب، فإنّ أهم ما جاء في الخطاب هو مطلعه، حيث قام السيد نصرالله بتأجيل الحديث عن “إسرائيل” ومناوراتها إلى يوم الجمعة القادم المصادف يوم القدس العالمي، ويبدو أن لدى السيد نصرالله كلامًا كثيرًا ليقوله في تلك المناسبة، خصوصًا إذا استشعر السيد بأن الصيف الساخن الذي توقعه لن يكون في الشمال السوري فقط، بل من الممكن أن يمتد إلى لبنان وجنوبه، وأن الحلف الأمريكي “الإسرائيلي” التركي السعودي قرر الالتفاف على قوات حزب الله في حلب عن طريق مارون الراس وبنت جبيل حتى بيروت، خصوصًا وأن هذا التحالف يعتقد جازمًا بأن الحزب لا بواكي له حتى في حال عدوان “إسرائيلي” على لبنان، حيث عمل النفط على تقريب “إسرائيل” للوجدان العربي وشيطنة الحزب، وليس مستبعدًا أن تكون لقاءات بن سلمان بالمدراء التنفيذيين لـ”فيسبوك وتويتر” هي جزء من الاستعدادات للمعركة المجازية التي ستواكب المعارك العسكرية، وإذا كان هذا السيناريو حقيقيًا، فإنها ستكون الحماقة التي طال انتظارها، وبغض النظر إن خبأ السيد مفاجآت للخطاب القادم أم لا، فإن غدًا لناظره قريب.
المصدر : بيروت برس