أصدر معهد “ستراتفور” مقالاً بعنوان: “لماذا تنظيم “الدولة الإسلامية” أضعف مما يبدو عليه” [1]، للكاتب عمر لامراني، هنا ترجمة للمقال المذكور.
التوقعات
- – سورية: سيستمر تنظيم “داعش” في خسارة المدن والمناطق الحيوية.
- – سيقوم التنظيم بالرد على خسائره من خلال الاعتماد بشكل أكبر على تكتيكات المتمردين والإرهابيين، بما يضمن بقاءه كمصدر للتهديد.
- – سيستغل تنظيم “داعش”، والجماعات المماثلة، “الحرمان” الذي يعاني منه بعض السكان في سورية للحفاظ على موطئ قدم في البلاد.
التحليل
يعاني تنظيم “داعش” من أزمة في سورية، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية عمل على التحول من مصدر إزعاج على مستوى الإقليم إلى قوة ذات تأثير على مستوى العالم. وأعلن ما أسماه “الخلافة” في حزيران/يونيو عام 2014، التي امتدت من محافظة ديالى في العراق إلى محافظة حلب في سورية. وبذلك استطاع الربط بين كلا البلدين في منطقة صراع واحدة مما أثار قلق العديد من القوى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وتركيا وروسيا. حيث يوجد التنظيم اليوم في مساحة تمتد من غرب العراق إلى الحدود اللبنانية- السورية- وهو تمدد ذو أهمية كبرى على مستوى الإقليم.
بيد أن اتساع رقعة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سورية تبدو مخادعة، فسيطرته الفعلية تقتصر على جيوب صغيرة في مناطق متفرقة. كما إن المناطق التي يسيطر عليها أغلبها صحراء قاحلة، إذ إن نظرة للمناطق الثلاث التي يسيطر عليها التنظيم في سورية – شمال حلب، الرقة ودير الزور- تظهر أن التنظيم يخسر بشكل مضطرد المناطق ضمن “امبراطوريته” المزعومة المتناثرة. حيث تمثل هذه المناطق الثلاث الأساس لقوة التنظيم في البلاد وهي ذات دور حاسم في الحفاظ على الإبقاء على تدفق الإمدادات والمقاتلين والمواد، لكن جميع هذه المناطق تحت الخطر.
لكن من جهة أخرى فحتى عندما يتآكل هذا الأساس (المناطق الثلاث التي يسيطر عليها)، سيظل “داعش” قوة مؤثرة وقاتلة طالما أنه يتبنى تكتيكات جديدة. وعلى الرغم من أنه ربما يكسب المعارك ويسيطر على القرى والمدن، لكن ذروة نفوذه في سورية أصبحت شيئاً من الماضي. وسيتقلص نفوذ التنظيم على الرغم من مكاسبه الاسمية. بيد أن “داعش” والتنظيمات المشابهة لن تتلاشى بشكل نهائي طالما أنها تستغل بعض المظالم لدى بعض المكونات.
اللون الأحمر: المناطق التي خسرها تنظيم “داعش”
اللون الأسود: المناطق التي يسيطر عليها تنظيم”داعش”
المناطق المأزومة
شمال حلب
تمتد المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في شمال حلب من مدينة صوران في الغرب إلى منبج في الشرق. وهذه المنطقة هي واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان التي يسيطر عليها التنظيم، وبسبب موقعها بالقرب من الحدود التركية، فإنها تقوم مقام منطقة عبور لإمدادات المهربين، والسلاح وكذلك المقاتلين الأجانب- وهي النقطة الأخيرة التي غادرها التنظيم.
كما تضم منطقة شمال حلب قرية دابق، وهي المكان الذي يؤمن التنظيم أنه سيخوض المعركة الكبرى فيه.
وللمرة الأولى، بعد إعلان “الخلافة”، تقع منطقة شمال حلب تحت حصار من ثلاثة أطراف، حيث إن متمردين تقدموا من عزاز نحو الشرق إلى مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، على الرغم من أن تقدمهم تأخر بسبب القتال مع وحدات حماية الشعب الكردية. وإلى الجنوب، تمكن الجيش السوري بدعم القوة الجوية الروسية من استعادة مطار كويرس في تشرين الثاني/نوفمبر، حيث تمكنت تلك القوات من فك حصار دام لسنتين من قبل تنظيم “داعش”. والآن هذه القوات تتقدم إلى الشمال للاستيلاء على بلدة الباب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة قامت بشن هجمات مؤثرة في الغرب على طول نهر الفرات وتعمل على استعادة منبج من المجموعة المتطرفة.
يضاف إلى تلك الهجمات من الشرق، والغرب والجنوب، فإن قوات “داعش” في شمال حلب محاصرة أيضاً بنيران المدفعية التركية التي تضرب عبر الحدود وأيضاً ضربات التحالف الأمريكي وسلاح الجو الروسي، ولذلك لا عجب في أن التنظيم يخسر بسرعة السيطرة على الأرض في المنطقة. وفي الواقع فإن “داعش” لا تستطيع إيقاف هجمات “قوات سورية الديمقراطية” لدرجة أنها تراجعت من القرى قبل وصول المتمردين إلى عزاز لترسل تعزيزات إلى الشرق.
لكن هناك هجوم يشنه الجيش السوري والذي من شأنه إن نجح، أن يشكل تهديداً وجودياً على منطقة شمال حلب التي يسيطر عليها التنظيم حيث من الممكن عزل هذه المنطقة عن باقي مناطق سورية التي يسيطر عليها “داعش”. فالعملية بدأت في الثاني من حزيران/يونيو، والتي تقدمت بموجبها القوات باتجاه مدينة الطبقة في محافظة الرقة، متابعة مسار الهجمات التي بدأت في شباط/فبراير والتي فشلت حينها في تحقيق التقدم. يملك الهجوم الأخير هذا، بسبب مستويات عالية من الدعم والإمدادات، فرصة في قطع الطرق التي تربط شمال حلب مع عاصمة “داعش” في الرقة. ولذا فإن خسارة شمال حلب، وطريق الرقة أو طرق التهريب المؤدية إلى تركيا سيكون بمثابة ضربة قوية للتنظيم الإرهابي.
الرقة
إن عاصمة التنظيم الرقة، في خطر أيضاً، وكما هو الحال مع شمال حلب فإن الخطر الأكبر الذي يتهدد الرقة يأتي من “قوات سورية الديمقراطية”، التي شنت هجوماً لاستعادة السيطرة على أطراف المدينة في أواخر أيار/مايو. كان التقدم مضطرداً ولكنه تباطأ نتيجة لتدريب القوات العربية التي من المتوقع أن تكون رأس الحربة في شن الهجوم النهائي على المدينة.
وفي الوقت نفسه، فإذا ما نجح تقدم القوات الحكومية باتجاه الطبقة، الذي يشكل خطراً على “داعش” في شمال حلب، فمن الممكن أن يتحول تدريجياً ليصبح هجوماً على الرقة، التي تبعد فقط 55 كيلومتراً (34) ميلاً إلى الشرق. وإن السباق إلى الرقة بين القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا، و”قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من أمريكا سوف يؤدي لطرد “داعش” من المدينة.
وهكذا خسارة ستكون ضربة مدمرة للتنظيم. فرمزية المدينة لا تنبع فقط من كونها عاصمة “الخلافة”، لكن في كونها أيضا محور رئيس لتدفق الأفراد والإمدادات. فالرقة تقع على نهر الفرات وهي ذات أهمية أساسية للسيطرة على العديد من الطرق السريعة الرئيسية في سورية. كما أنها واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان، من بين المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وتمثل مركزاً اقتصادياً هاماً لا يضاهيه سوى الموصل في العراق.
دير الزور
يواجه مقاتلو تنظيم “داعش” مأزقاً في دير الزور فرضته مجموعة من التحديات في المدينة على خلاف ما هو عليه الحال في المنطقتين الأخريين (شمال حلب والرقة). فالمدينة نفسها تشهد قتالاً بين القوات الحكومية وقوات “داعش”، إلا أن التنظيم يسيطر بشكل كامل على بقية المناطق الواقعة في المحافظة. وحيث إن التنظيم خسر بالفعل قبضته على مصادر الطاقة في الحسكة وحمص، فإن لدير الزور أهمية فيما يخص كل من النفط وموقعها كبوابة للمناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم في العراق. وعلى الرغم من أن معظم مساحة المحافظة هي صحراء، إلا أنها تتركز فيها تجمعات سكنية في وادي الفرات.
وبخلاف الرقة وشمال حلب فإن دير الزور ليست تحت خطر كبير. في الواقع فإن “داعش” أحرز تقدماً مؤخراً في محاولاته للسيطرة على الجيوب المتبقية التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية في مدينة دير الزور. ولذا فإن سيطرته على دير الزور ستظل الأطول من بين المناطق التي يسيطر عليها في سورية.
مع ذلك، وخاصة في الجيوب الأكثر أمناً، فالتنظيم ليس في حالة استقرار. ذلك أن العديد من الخصوم يحاولون شق طريقهم إلى المنطقة الغنية بمصادر الطاقة. ففي الشمال هناك “قوات سورية الديمقراطية”، التي قامت بدحر التنظيم خارج الحسكة وأحرزت بعض التقدم باتجاه محافظة دير الزور.
وعلى الرغم من أن هذه القوات تركز اهتمامها على شمال حلب والرقة، فمن غير المحتمل أن تقوم بالتخطيط لهجمات مؤثرة في دير الزور ولكنهم سيقومون عوضاً عن ذلك بشن هجمات صغيرة لإزعاج “داعش”. أما من الغرب، فيستمر الجيش السوري بمحاولة التقدم من تدمر باتجاه دير الزور للوصول إلى المدينة وفك الحصار عن قواته هناك، ولكن بالنظر إلى المسافة التي تفصل القوات المتقدمة والقوات المحاصرة في دير الزور، وحالة الإجهاد التي أصيبت بها القوات الحكومية هناك، فإن جهود القوات المتقدمة من المرجح ألا تنجح في الوقت القريب، لكنها لا شك ستستحوذ على اهتمام “داعش”.
أخيراً، إن قوة جديدة من المتمردين تعرف “بجيش سورية الجديد” تحتشد على طول الحدود مع الأردن. وهذا الجيش الجديد الذي تسلحه الأردن والولايات المتحدة وبريطانيا يشكل الخطر الأكبر على المدى الطويل على تنظيم “داعش” في دير الزور إن قواته عملت على الإبقاء على صلات مع المحافظة التي فروا منها كلاجئين ومقاتلين. وعلى الرغم من أن “جيش سورية الجديد” صغير في الوقت الحالي لكنه يخطط للتقدم عبر حمص باتجاه دير الزور.
التكيف للبقاء على قيد الحياة
حيث إن قوة تنظيم “داعش” نمت وانتقلت من حركة من الإرهابيين والمتمردين لأن تكون قوة تنشر تكتيكات المعارك التقليدية، مستخدمة وحدات منظمة كبيرة وسلاح المدفعية والعربات المدرعة، فقد استطاع التنظيم من خلال التكيف أن يستولي على مساحات هامة في سورية والعراق، لكن الرياح الآن تجري على عكس ما تشتهي سفن “داعش”. فبينما تواجه تكتيكات التنظيم في الجيوب الثلاث في سورية المزيد من الضغوطات، ستكون التكتيكات التقليدية أقل جدوى حيث إن الاستنزاف يقلل من قواتها ويدمر معداتها. لكن الأكثر إلحاحاً، هو قطع سلسلة خطوط الإمدادات اللوجستية التي يحتاجها التنظيم للإبقاء على مدفعية ذات عيار ثقيل والمركبات المدرعة في الميدان. وهذه الخطوط اللوجستية تحتاج لمناطق آمنة ومزودة بالإمدادات بشكل جيد يمكنها أن تدعم خطوط الجبهة.
لكن هذا لا يعني أن دور التنظيم سيتم تثبيطه. ولكن بينما يخسر التنظيم مناطق جديدة سيعمل على البقاء وفقاً لشروط جديدة ،وأن يبقى مصدر خطر. وبسبب عدم قدرته على نشر وتوريد وحدات القتال التقليدية على نحو فعال، فإن “داعش” سينتقل إلى الاعتماد على تكتيكات المتمردين و للهجوم على أهداف بعينها. وبدلا من التركيز على السيطرة على الأراضي، فإن التنظيم سيستخدم أساليب المتمردين ليمتلك المرونة وسهولة الحركة الضروريتين لشن هجمات “كر وفر” على أعدائه في محاولة لإضعافهم تدريجيًا. ولن تشكل هذه الاعتداءات تهديدا وجودياً لأعداء “داعش”، لكنها ستستمر في إلحاق أضرار على نطاق واسع.
وقد بدأ بالفعل حدوث تحول في عمل تنظيم “داعش”. إذ تعكس التفجيرات الدموية التي وقعت 23 أيار/مايو في جبلة وطرطوس عودة التنظيم إلى استخدام الأساليب الإرهابية. بينما في الوقت نفسه تشن عصابات صغيرة من مقاتلي “داعش” هجمات في المناطق الصحراوية في حمص وفي جبال القلمون على طول الحدود مع لبنان. إذ يمكن للوحدات المرنة، والمتفرقة، والمتمتعة بسهولة الحركة، أن تواصل تنفيذ عمليات تحت اسم “داعش” بما أن التنظيم المتطرف يفقد قبضته على العديد من المدن والمحافظات. وعلى مبدأ شن ضربات خاطفة، ستسعى عمليات التمرد والعمليات الإرهابية لـ”داعش” لبسط نفوذها في سورية لفترة طويلة بعد هزيمة جيوش التنظيم في الميدان.
في الواقع، فإن “داعش” ومن سيخلفها سيستمروا في البقاء طالما أنهم يستغلون “المظالم” لدى “بعض المكونات” في العراق وسورية، إذ يمثل طرد التنظيم المسلح من المدن والمحافظات خطوة نحو القضاء عليه، لكون السكان المحليين لا يمكنهم التمرد عليه دون مساعدة خارجية. بيد أن القضاء على التنظيم بشكل كامل، سيتطلب إنجاز المهمة الأقل واقعية وذلك بأن يتحول السكان ضد “داعش” – وهذا شيء يمكن أن يحدث فقط إذا تم إيجاد حل “للحرب الأهلية” في سورية. فكما هو الحال في العراق وليبيا فإن المتطرفين في سورية يزدادون عدداً بسبب عدم الاستقرار في مناطق النزاع والثغرات في سلطة الحكومة. فالحرب بين الحكومة والمتمردين ليست فقط بمثابة تشتيت للانتباه عن القتال ضد “داعش” ولكن أيضا تساعد في إطالة أمد الظروف ذاتها التي يمكن من خلالها لجماعات مثل تنظيم “داعش” والنصرة أن تزدهر. وعلى عكس الهجوم ضد “داعش”، فإن إيجاد حل لهذا الصراع سوف يتطلب خطوات أكثر من مجرد القيام بالضربات الجوية وقيام تحالفات بين المتمردين.
المصدر : مركز دمشق للأبحاث والدراسات