على مدى عشر سنوات ومنذ انتهاء عدوان تموز 2006 الصهيوني على لبنان، بدأت مرحلة جديدة في حياة الكيان الصهيوني تحوّل فيها حزب الله الى كابوس يقضّ مضاجع الصهاينة، ليظهر الى العلن بعد أشهر من العدوان تقرير “فينوغراد” الذي يمكن اعتباره الوثيقة الأولى التي يعترف فيها الكيان الصهيوني بأولى هزائمه المدوية رغم استخدام التقرير لكلمة الإخفاق بدل الهزيمة، ورغم اننا نعتبر اندحار الجيش الصهيوني عام 2000 من جنوب لبنان بداية مرحلة الإنتصارات وأفول مرحلة الهزائم.
خطاب السيد حسن نصرالله الشهير في بنت جبيل كان محطة اعلن فيها مجموعة من الثوابت المهمة شكلت فلسطين محورها الأساسي، حيث تضمّن الخطاب يومها التزاماً واضحاً بالقضية الفلسطينية ودعوة اوضح للفلسطينيين بضرورة تطوير اساليب مقاومتهم والارتقاء بها الى مستوى المقاومة العسكرية، وجميعنا نذكر تنفيذ حكومة الاحتلال في منتصف سنة 2005 خطة فك الإرتباط احادية الجانب بحسب التسمية الصهيونية، القاضية بإخلاء مستوطنات قطاع غزة وتنفيذ انتشار على حدود القطاع، والمهم في المسألة حينها أنّ ارييل شارون احد كبار المسؤولين الصهاينة الذين يعتقدون بنظرية المزيد من التوسع والإستيطان كان رئيس الحكومة حينها، ما يعني تراجعاً جدياً في قدرات هذا الكيان وبداية تسليمه بالإنكفاء امام ضربات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
بعد اندحار الجيش الصهيوني من جنوب لبنان، لم يكن اعلان الثوابت والإستمرار في تبني القضية الفلسطينية هو النقطة الوحيدة العالقة بين المقاومة والكيان الصهيوني، فمزارع شبعا والعديد من الأسرى وجثامين المقاومين لا زالت في قبضة الكيان، وبالرغم من اجتهاد البعض من اللبنانيين في إظهار وتبيان السيادة السورية على هذه المزارع ليس رغبة في تأكيد الحقيقة بقدر ما كان رغبة في الولوج الى حجج تمكنهم من طرح موضوع انهاء المقاومة وتسليم سلاحها ضمن التزامات لهذه الأطراف مع الأميركيين وغيرهم ظهرت كلها للعلن بعد اغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، حيث وصل الإنقسام يومها الى حدّ غير مسبوق في اعلان العداء للمقاومة واتهامها بالكثير من التهم على رأسها اغتيال الرئيس الحريري والتي وصلت الى المحكمة الدولية ضمن سيناريو اتهام يخالف ابسط قواعد الإتهام القانونية، ولا يمكن من خلال الفذلكة القانونية المقدمة في نص الإتهام وهي”الدليل” الوحيد اي قاعدة بيانات الإتصال لعدد من الأرقام الخلوية التي قيل انها لعدد من مسؤولي المقاومة دليلاً، حيث يمكن تقنياً فبركة هذه “الداتا” اولاً وعدم وجود فريق محايد يمكن التعويل عليه في التثبت من صحتها.
وما ذكر موضوع اتهام المقاومة إلّا مثالاً على سلسلة من الإتهامات التي لن تنتهي، حيث سيبقى التعرض للمقاومة قائماً ما دامت المقاومة باقية.
ويبقى الموضوع الأساسي الذي يُرعب اعداء المقاومة هو القدرات البشرية والتسليحية التي تملكها والتي تشكّل الهاجس الأكبر لدى قادة العدو، وتحديداً بعد نتائج عدوان تموز 2006 حيث كانت قدرات المقاومة اقل بكثير بعد مرور عشر سنوات.
واذا ما كنا سنعتمد التقارير الصهيونية حول تعاظم قوة المقاومة، فإننا سنكون فعلاً امام مشهد مختلف تماماً عن مشهد 2006، وما يجب ان نعرفه قبل الدخول في توضيح قدرات المقاومة أنّ الكيان الصهيوني برأيي لا يمتلك بنك اهداف للقدرات العسكرية للمقاومة نتيجة حالة العمى الإستخباري. واذا ما تابعنا تصريحات مسؤولي العدو فسنجد انهم يركزون على معادلتين، واحدة قائمة على استهداف البنية التحتية اللبنانية والتجمعات السكنية، والثانية قائمة على ايجاد الحلول لمعضلة حماية الجبهة الداخلية الصهيونية. وهنا لا بد من ذكر ان غالبية مناورات الجيش الصهيوني باتت تحمل اسم “تحوّل”، للدلالة على التحول في اساسيات العقيدة العسكرية الصهيونية التي كانت قائمة على الحرب السريعة بالإعتماد على ثنائي الطائرة والدبابة لتحقيق اعلى مستوى من التدمير في قوة العدو واسرع مستوى من الحركة لتأمين عنصر السيطرة والثبات.
ما بعد سنة 2006 في لبنان وسلسلة الإعتداءات على قطاع غزة ونتائجها، بات القادة الصهاينة على قناعة ان زمن عقيدتهم العسكرية السابقة قد ولّى، فالأمور باتت قائمة على معادلة توازن الرعب، فكلا المقاومتين الفلسطينية واللبنانية جرّبتا قدرة صواريخ ارض – ارض على تحقيق هذه المعادلة، وإن كانت المقاومة الفلسطينية في غزة ضمن وضع من الحصار قد استخدمت عشرات صواريخ ارض – ارض المتوسطة المدى واكثر من ذلك حين وصل الأمر الى اعلان توقيت اطلاق الصواريخ على تل ابيب في تحدٍ واضح لمنظومات الصواريخ الصهيونية المضادة، فكيف هو الحال مع حزب الله الذي يمتلك عمقاً جغرافياً كبيراً وتضاريس فيها نسبة عالية من الجبال والوديان؟
وإن كنّا سنعتمد على آخر التقارير الصهيونية حول قدرات المقاومة، فإنّ ذلك يكفي ليعيش الصهاينة واصدقاؤهم ما يلزم من الرعب، رغم قناعتي ان ما ورد في آخر التقارير لا يشكل إلّا نسبة ممّا تملكه المقاومة من عتاد وسلاح، مع الإشارة الى أمر هام جداً فهمه الصهاينة أخيراً في بعد أحادي وهو القدرات المضافة في الخبرات التي يحصل عليها مقاتلو المقاومة في سوريا، وتنوع هذه الخبرات في حين انهم لم يستطيعوا حتى اللحظة فهم طبيعة المقاتل العقائدية والتي تشكل برأيي عامل التفوق الأساسي في اية مواجهة ميدانية قادمة مع جنود العدو الأغرار حديثي الخبرة، وهو أمر لم يغفله الخبراء الصهاينة.
واذا ما اعتمدنا على ما جاء في التقرير الصهيوني، فإنّ طبيعة المعركة القادمة ستكون مختلفة، فذكر التقرير لصواريخ سام – 17 وسام – 22 معناه ان قيادة سلاح الجو الصهيوني لن تكون قادرة على تنفيذ مهامها بحرية كبيرة كما في الماضي، وهذا ما سيؤثر على فاعلية سلاح الجو الصهيوني وقدرته على الإستهداف خصوصاً ان الطيارين الصهاينة اعلموا قيادتهم اكثر من مرة انهم تعرضوا للإغلاق الراداري لفترات قصيرة فوق الأراضي اللبنانية، وهو ما تستطيع منظومات سام – 17 و سام -22 القيام به ويبقى الموضوع في هذا الجانب ليس امتلاك المقاومة لهذه المنظومات او عدم امتلاكها بقدر ما سيكون عدد المنظومات واماكن تموضعها وانتشارها، لأنّ المقاومة بالتأكيد ستستخدم هذه الأسلحة بطريقة غير تقليدية لتقليل قدرة العدو على استعلامها واستهدافها وهذا يعني ان الطائرات الصهيونية ستكون ضحية كمائن لهذه المنظومات وستكون الخسائر كبيرة.
في الجانب المتعلق بصواريخ ارض – ارض وما ورد عن تخزين المقاومة لـ150 الف صاروخ، اهم ما جاء في هذا الجانب هو الإشارة الى امتلاك المقاومة لآلاف الصواريخ بمدى يصل الى 300 كلم وربما الى 400 كلم، باعتبار ان النسخة الأخيرة من صواريخ فاتح – 110 قد تم تطويرها لتصل الى مدى 400 كلم مع امكانيات اصابة عالية جداً بخطأ لا يتجاوز الـ50 متراً، وهو خطأ غير مهم اذا ما علمنا ان الرأس المتفجر لهذه الصواريخ يصل الى الف كلغ من المواد شديدة الإنفجار.
كما ان ذكر صواريخ ياخونت ارض – بحر شكل في التقرير الرعب الأكبر بسبب قدرة هذا الصاروخ الإستثنائية على استهداف اهداف على بعد 300 كلم من منصة الإطلاق، ونسبة الإصابة التي تصل مع سفن الإمداد والنقل الى 100% والى 90% او اكثر مع القطع البحرية العسكرية، ما يعني قدرة المقاومة على اغلاق المجال البحري للعدو ومنعه من الإقتراب من السواحل اللبنانية، وبالتالي شل قدرات قطعه البحرية لا بل وابقاءها في حالة تجوال خارج موانئها المعتادة.
في الجانب البشري، ذكر التقرير وجود 50 الف مقاتل بينهم 15 الف من قوات النخبة وهو امر خاطئ، حيث شارك اغلب مقاتلي المقاومة حتى اللحظة وخلال سنوات في معارك ميدانية داخل سوريا ما يحوّلهم جميعهم الى قوات نخبوية ويحول قوات النخبة الأساسية الى قوات غير اعتيادية وهو ما يرعب العدو.
وبحسب المعطيات، من حق العدو واذنابه ان يعيشوا الرعب لا بل تنامي الرعب لأن المقاومة لن تتوقف عن زيادة قدراتها البشرية والتسليحية، فالمعركة مع هذا الكيان واقعة لا محالة وكلما طال زمن حصولها سيكون ذلك في مصلحة المقاومة وهو امر يدركه بعض قيادات العدو الذين يقولون بضرورة فتح المعركة الآن قبل الغد يقابلهم العديد من القيادات المترددة.
وسواء حصلت المعركة عاجلًا او تأجلت، فإنها وان كانت قاسية علينا فإنها ستكون اكثر قساوة وايلاماً على العدو لدرجة ستهشم اسس بقاء الكيان واستمراره.
*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
عمر معروبي _ بيروت برس