ساهم طول أمد الصراع في سوريا إلى وصول مستوى التردي الاجتماعي والاقتصادي إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، فاقتصاد العنف رفع مستويات التعامل غير السوي في كثير من القطاعات كارتفاع مستويات الرشوة والفساد والعنف الأسري والاجتماعي وكل هذا سببه عوامل متجذرة ومرتبطة ارتباطاً طردياً باستمرار الصراع وتآكل السلطة المركزية الواحدة ذات القانون الناظم للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية.
لعل أبرز المخلفات المرتبطة باقتصاد العنف والتي وجدت في الحرب السورية بيئة خصبة للنمو والاستمرار هو “الخطف” والتهديد بقوة السلاح من أجل تحقيق كسب غير مشروع بالإفادة من تردي الوضع الأمني وخروج مناطق كثيرة عن السيطرة، ولقد لاحظنا أنه ومع بداية الأزمة في سوريا بدأ منحى عمليات الخطف يأخذ اتجاهاً تصاعدياً في مختلف المناطق والبلدات السورية وذلك من أجل الضغط للحصول على الأموال من المتضررين، وكان غالباً ما يقود هذه العمليات أشخاص متنفذين وبقوة السلاح من مختلف أطراف الصراع.
ولاحظنا أنه وكلما ازداد العنف ازدادت معه حالات الخطف بسبب الفوضى وانعدام الرقابة والمحاسبة، فضلاً عن شعور السوريين بعد الأمان ما ضاعف حالات اللجوء للخارج والنزوح القسري لمناطق أكثر أمناً داخل المدينة والمحافظة الواحدة.
تظهر الأرقام التي تكشف عنها وزارة المصالحة الوطنية السورية عن حجم الظاهرة ومدى انتشارها في المجتمع السوري رغم شدة العقوبات التي يفرضها القانون السوري بحق المجرمين الخاطفين لأي سبب وتحت أي ذريعة، ففي تحقيق صحفي استقصائي نشره موقع “عمان نت” الالكتروني، يقول وزير المصالحة علي حيد أنه”لا أرقام دقيقة عن أعداد المختطفين في سورية”، ويضيف: لدينا أسماء نحو 16 ألف مفقود من جميع المناطق” أبلغ ذووهم عن فقدانهم، لكن هذا العدد يشمل المعتقلين والمختطفين، وربما أشخاصاً توفوّا خلال سنوات الأزمة دون إثبات وفاتهم.
فيما يقدر رئيس لجنة المصالحة المختطفين بين 10 و 15 ألفا، لافتا إلى أن العدد الأكبر محتجز في دوما بريف دمشق.
ويقدر رئيس لجنة المصالحة عمر أوسي أن عددهم في سجن التوبة (دوما – تحت سيطرة جيش الاسلام ) وحده، بـ 2000.
ويمكن القول أن حمص تتصدر واجهة عمليات الخطف في سوريا نظراً لارتفاع الحالات وطلب الفدية من قبل أهالي المخطوفين، المزيج السكاني والتباين الاجتماعي في أماكن الصراع غذى العنف وحالات الخطف، حيث وجد الكثيرين بالعمل في هذا المجال فرصة كبيرة للتربح بتهديد السلاح والقوة فقد قلنا أن اقتصاد العنف بات المسيطر وهو السمة الأبرز لاقتصاد سوريا خلال هذه المرحلة.
تشير دراسات وتقارير رسمية إلى في حمص وحدها سجّلت قرابة 2700 مختطف، وفق إحصائية غير رسمية، بمقاطعة معلومات عدة مصادر (ضبوط شرطة، قوائم لجان مصالحة وتقارير مستشفيات). حُرّر أكثر من 500 منهم وعُرف مصير أكثر من 700، وبقي مصير 1500 مجهولاً حتى الآن. ومن بين 700 مختطف مسجلة أسماؤهم في ضبوط لدى الشرطة قبل 2013 تم تحرير 102 وعثر على 55 منهم مقتولين ، فيما لم يتم العثور على الباقين.
وخلال العام 2014 وتحديد شهر شباط صدرت إحصائية حكومية رسمية تؤكد انتعاش حالات الخطف في كل من حماة وحلب ودير الزور .
حيث وصل عدد حالات الخطف اليومية في محافظات دير الزور وحلب وريفها وريف دمشق، إلى ثلاث حالات يوميا، في حين وصلت خلال الأشهر الماضية إلى 1500 حالة خطف في حلب وحدها، وأنّ عدد حالات الخطف بدمشق وريفها وصل إلى 150 حالة مسجلة، وفي محافظة حلب حوالي 1500 حالة خطف مسجلة، في حين تشير الأرقام غير الرسمية إلى أنّ وجود ما يقارب 3000 آلاف مخطوف في ريف المحافظة.
قانويناً، شدد المشرع السوري عقوبة الخطف وحددها في قانون العقوبات السوري، حيث تعاقب المادة 500 وما بعدها من قانون العقوبات، على جريمة الخطف، بعقوبات مختلفة تبدأ من ثلاث سنوات، وتنتهي إلى إحدى وعشرين سنة من الحبس، وذلك وفقا لأمر المخطوف بقصد الزواج أو ارتكاب الفجور بواسطة الخداع والعنف. وحدد المرسوم التشريعي رقم 20 الصادر في 2013 القصد الجرمي التي يتمثل بتحقيق مآرب سياسية أو طائفية أو انتقامية أو ابتزاز مالي، ونص على عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لكل من سولت نفسه الخطف بقصد تحقيق مأرب سياسي أو مادي أو بقصد الانتقام أو لأسباب طائفية. وتصل العقوبة إلى الإعدام إذا نجم عن الخطف موت الأشخاص أو إحداث عاهات جسدية أو كانت هناك اعتداءات جنسية.
معهد ليفانت للدراسات