قال نائب رئيس المكتب السياسي موسى ابو مرزوق في مقابلة مع تلفزيون الاقصى التابع لحركة حماس (إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيعه معظم الدول). كلام الدكتور أبو مرزوق لايمكن أن يقرأ إلا في إطار خيارات جديدة للحركة كانت تنوي السير بها باكرا ولكن تم اعتراضها وايقافها بتسريب المكالمة الشهيرة القديمة لموسى أبو مرزوق والتي قال فيها (ان ايران تكذب في دعمها للحركة وان كل سفينة تائهة تضبط في عرض البحر تقول إيران أنها كانت ذاهبة لكم) . تسريب المكالمة كان من جهة إقليمية تبلغت نية حماس إعادة العلاقة مع إيران إلى سابق عهدها بعد أن تضررت بسبب موقف حركة حماس من الأزمة في سوريا ووقوفها مع المعارضة وخروجها من دمشق ثم موقف الحركة من الحرب في اليمن .
في شباط فبراير أخبرني أحد قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق نقلا عن موسى أبو مرزوق خلال اجتماع جرى لقادة الفصائل في بيروت أن ابو مرزوق صارح المجتمعين بان خيارات الحركة كانت خاطئة في مقاربة الأحداث خاصة في سوريا واليمن . وبهذا لا نقيم كلام أبو مرزوق على أنه تصحيحا لموقف سابق أو تطييب خاطر لإيران ، انما يتعدى ذلك إلى تعديل مسار ومراجعة سياسات . ولا يعني ذلك أن الحركة سوف تقفز مجددا من ضفة إلى أخرى ، أو من حلف لآخر . إنما تهدف حماس إلى القفز من الاصطفاف الحاصل في المنطقة ككل، خاصة أن الحركة وعت أن حلفاءها الجدد في زمن الربيع الدامي تركيا وقطر تتمتعان كلاهما بعلاقة جيدة مع إيران رغم الخلاف معها في سوريا .وهي تريد أن ترتب علاقة جيدة مع طهران بعيدا عن الملف السوري ، الذي تسعى من سنوات أن تعدل فيه موقفها لتأخذ موقف المحايد بعد أن اختارت في البداية أن تكون طرفا لصالح المعارضة ، ومن الملاحظ أن الحركة ابتعدت عن أي تصريح أو موقف يخص سوريا خلال السنتين الماضيتين على الأقل ، ويشترط كل قادتها أن لا يتم سؤالهم مطلقا عن ما يجري في سوريا في اي مقابلة تلفزيونية .
مقاربة حماس في سوريا اعتمدت في بداية الأزمة هناك على تقديرات( الدوحة – انقرة ) بأن النظام السوري سينهار سريعا وان على الحركة القفز من السفينة قبل غرقها، وهذه التقديرات عاكستها الوقائع ، وهو ما أربك الحركة التي بنت موقفها السياسي تجاه القيادة السورية الحاضنة لها منذ طردها من الأردن على تصور أنها ستنهار ولن تكون استثناءا في مسلسل انهيار الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن .
فقدت الحركة حليفها محمد مرسي ودفعت ثمن اصطفافها إلى جانب الإخوان المسلمين في مصرعلاقة متوترة مع الحكم الجديد. بينما غرق حليفها التركيبأزماته الداخلية ومشاكله مع المحيط وعلى المستوى الدولي ، الرجل المطيع لاردوغانرئيس الوزراء بن علي يلدريم يقول بأن تركيا ستعيد مراجعة سياستها الخارجية . اختارت حركة النهضة في تونس مكانا في الحركة الإسلامية بعيدا عن فكر الإخوان المسلمين وطمواحاتهمومشروعهم الذي انهار.لابد أن حركة حماس تراقب كل هذه التغييرات ، وترى ان الاوان قد حان لها هي أيضا كي تتحرك وتغير .
ما كنا نتمنى على حركة مقاومة فتية ولها رصيد في الشارع الفلسطيني والعربي أن تدخل مراهنات وفق نظرة حزبية ضيقة ، واصطفافاتذات طابع ايديولوجيوطائفي ومنفعي . (لا مجال لذكر اخطاء حركة حماس هنا وما أكثرها) .
غياب السيد خالد مشعل عن رئاسة المكتب السياسي هو لن يترشح لهذا المنصب حسب قوله .سوف يساعد الحركة في هذا المسار الجديد ، وتعطي رغبتها في علاقات متنوعة دفعا اكبر، إذ أن الرجل حصر علاقته بالدوحة ، وطبع صورته بساسياتها، وذهب بعيدا في الدفاع عن خطابها وخياراتها. بينما بنى أبو مرزوق علاقات جيدة مع القاهرة التي تراه الرجل المفضل للحوار ، قادة الفصائل الفلسطينية يقولون انهم لم يجلسوا إلا مع ابو مرزوق خلال السنوات الخمس العجاف الماضية . السيد اسماعيل هنية هو من المتحمسين للتحالف مع قطر وتركيا ولكن ليس على طريقة مشعل ، هنية لم يقطع تواصله مع طهران أو حزب الله كما حافظ على اطلالاته في مناسبات تخص القضية الفلسطينية يقيمها الحزب في بيروت أو إيران في طهران عبر الشاشة . بالنسبة للدكتور محمود الزهار فالرجل حسب مقربين ليس من المتحمسين لعلاقة أحادية مع محور الدوحة أنقرة على حساب محور المقاومة الذي يراه الامتداد الطبيعي لحركة حماس .بتقديرنا سيغيب مشعل مستقبلا عن المشهد وسيحمل أبو مرزوق على عاتقه شق المسار الجديد .
ابعد تصريحات السيد ابو مرزوق امس عن حقيقة الدعم الإيراني تعرض الرجل لهجوم غير مسبوق ودارت ماكينة الأقلام بين نقد التصريحات وادانتها إلى إطلاق الشتائم بحقهوالحركة . وكتب أحدهم منتقدا تصريح ابو مرزوق (إيران تحارب الأمة ). لم يحدد من هي الأمة التي تخوض إيران حربا ضدها ، أهي العربية أم الإسلامية أم أمة الإخوان المسلمين .نعتقد أن على حماس أن لا تلقي بالا لهذا التهويل عليها، لأنها يجب أن تكون اعرف منا بأن هذه الحملة تطلق بكبسة زر وتغلق بمثلها. وإن على حركة حماس بغض النظر عن خياراتها وحساباتها وخلافاتها مع هذا الطرف أو ذاك أن تقول الحقيقة لله والتاريخ ، فإذا كانت إيران تدعم بلا حدود وسوريا احتضنت ودعمت وتحملت من اجل حماس عليها أن تقول ذلك دون خجل . من باب الإنصاف وليس من أجل الاصطفاف .
كمال خلف