غسان جواد
بيروت برس
في الطريق الى فلسطين، سقطت دماءٌ غزيرة، كثيرة. كل الدماء عزيزة وهي تتدفق في شرايين البلاد وتمنحها الحياة تلو الحياة. لكنّ دماء سمير القنطار تبدو منذورة لتشكل المعنى والمضمون في صراع البلاد وحقيقتها.
من جبل لبنان مرورًا بجبل عامل والجليل الاعلى، بدأت رحلة الفتى المشرقي الموحِّد نحو الارض المقدسة. خطواتٌ تتبع فيها أثر الصدّيقين والاولياء. أثر الرسل والانبياء، هنالك في الارض التي سار الإله الجميل فوق مياهها. كانت تراوده أحلام تشبه الوعور التي يمشي فيها. أحلامٌ كالصخر، كالنهر، كالسهل. كتدفّق الامواج على شواطئ اللاذقية وطرطوس وبيروت وصيدا وصور وحيفا ويافا وغزة. كلون السماء فوق حوران والجولان ومجدل شمس.
دخل متسلّلًا كنسمة ناحية الشمال. رمى، ثم رمى، وكان الله يرمي. هذه فلسطين والطلقة المشرقية في قلب الغزاة. ثلاثون عامًا بين القضبان، لم تنزع العناد من صدر الفتى الذي أصبح فلسطينيًا. وعندما عاد الى البلاد حرًا “بالوعد الصادق”، جلب فلسطين معه، باللكنة التي اكتسبها، والانتماء الذي لم ينقطع. هذه فلسطين تتمة الشام والعراق والاردن ولبنان، تتمة الارض التي تكتنز في باطنها كل التضحية والايثار والفداء. تتمة المعنى عندما أراد أن يكتمل، والمضمون المكافح مصلوبًا على خشبة.
في ذروة الظلام وحروب الإجهاز على ما تبقى من هذه البلاد، تختصر دماء سمير القنطار الحكاية. كأنّ رحلته تلك، رسمت النسيج الحضاري لهذا المشرق الساحر. قيل إنّ الدماء التي نزفها، ارتسمت خرائط على الارض. فكانت الشام، وكان العراق وكان لبنان، وكانت فلسطين.
والحق الحق أقول لكم: طوبى لأنقياء القلب.. لأنهم يعاينون الله.