أثار قرار الحكومة الألمانية الأخير بعمليات الترحيل إلى سورية مخاوفاً عديدة للاجئين، فمنهم يخشى من توسيع نطاق الترحيل مستقبلاً، خصوصاً أنه لم يعتمد آلية معينة في كيفية الترحيل، ولم يوضح إن كان بالإمكان ترحيل أحد من اللاجئين من ألمانيا إلى سورية في ظل انقطاع العلاقات دبلوماسية ألمانيا والجمهورية العربية السورية، على اعتبار أن برلين شريكة في العداء ضد الدولة السورية.
وزير الدولة في وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية “هانز يورغ انغيلكه” صرح في مؤتمر صحفي، مؤخراً، أن “الحظر العام على الترحيل (إلى سورية) ستنتهي مدته في 31 ديسمبر/ كانون الأول هذا العام”. مضيفاً أن “الذين يرتكبون جرائم أو يسعون وراء أهداف إرهابية لإلحاق أذى خطير بدولتنا وشعبنا، يجب أن يغادروا البلاد وسوف يغادرون.
وعن الطريقة القانونية بترحيل اللاجئين إلى بلادهم، أوضح المحامي “سالم مصطفى” لـ “شام تايمز” بأن تنفيذ القرار يلزم تواصل سياسي وعلاقات دبلوماسية مع سورية التي تسعى دائماً لعودة مواطنيها إليها وتسليمها المتورطين بأعمال إرهابية ورفع الحماية عنهم لأن خطرهم سيمتد على من يأويهم، معتقداً أن الحكومة الألمانية قد ورطت نفسها في فتح الباب لكل من هو آت من سورية للحلول على الأراضي الألمانية في عام 2015 دون الأخذ بعين الاعتبار خلفيات هؤلاء الوافدين والآيديولوجيات التي يحملونها وعقائدهم التي يعتنقونها فألمانيا ذاتها صرفت المليارات من أجل استقبال هؤلاء، وساهمت في توفير بيئة حاضنة لهم، في الوقت الذي بدأت تتعالى فيها الأصوات الداخلية فيها انتقاداً لما قامت به وفعلته لتعود وتوضح بعدها أن كل ملف سيدرس بشكل منفصل.
وأشار “مصطفى” إلى أن المشكلة هي بوجود من يقوم بالاحتكام الى القانون في ألمانيا، والمواد القانونية التي تحفظ حق اللاجئين مما يجعل ليس من السهل تجاهل هذا الأمر أو تغييره، فالحكومة الألمانية تستند على القوانين المحلية الألمانية التي تنسجم مع الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين 1950، والتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية -يوم 28 يوليو/تموز 1951، لاسيما المادة 32 المتعلقة بالطرد والتي تنص على أنه “لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئا موجودا في إقليمها بصورة نظامية، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام.” كما أنه “لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقا لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون، ويجب أن يسمح للاجئ ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصوصاً من قبل السلطة المختصة”، كما و تمنح الدولة المتعاقدة وفقا لهذه المادة “مثل هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونية في بلد آخر. وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضرورياً من التدابير الداخلية.”
وأضاف: وخلال ذلك يحتج مناهضوا قرار الترحيل بالمادة 33 من الاتفاقية ذاتها المتعقلة بحظر الطرد أو الرد حيث “لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.”لكن أبقت الباب مفتوحا من حيث “عدم السماح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر دواع معقولة لاعتباره خطرا على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل، نظرا لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرما استثنائي الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد.”
ويدعم مجمل القادة المحافظون للمقاطعات الألمانية تبديل الحظر العام. في المقابل، في المقاطعات التي يحكمها الاشتراكيون الديموقراطيون، فإن فكرة الوزير تثير رفضاً واسعاً، ويصطدم مشروع زيهوفر بعقبات كبيرة، فقد قطعت برلين علاقاتها الدبلوماسية بدمشق وليس لديها متحدث باسمها في سورية كغيرها من الدول الأوروبية. وتقوم ألمانيا يشكل منتظم بترحيل أفغان رُفضت طلبات لجوئهم، مؤكدةً أن بعض المناطق في أفغانستان آمنة، كما أن وزارة الخارجية الألمانية حذرت من أن الوضع في سورية ما يزال غير آمن.
وانتقد وزير داخلية ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية بوريس بستوريوس انتهاء العمل بقرار وقف الترحيل الخاص باللاجئين السوريين إلى بلدهم نهاية العام الجاري، والذي يعد تراجعاً عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين التي تبنتها برلين عام 2015.
بينما أيدت الولايات التي يحكمها حزب ميركل استئناف ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم وفق شروط معينة، واعتبرت الولايات التي يحكمها الاشتراكيون أن خطة الوزير زيهوفر تشكل “انجرافاً شعبوياً”.
وانتقدت منظمة “كاريتاس” الخيرية هذه المخططات، وقال رئيس المنظمة بيتر نيهر، الخميس: “الوضع كارثي على مستوى البلاد والمخاطر التي يتعرض لها من تم ترحيلهم بعد عودتهم، ستكون هائلة.. بالإضافة إلى الأعمال الحربية، فإن الهجمات هي النظام السائد اليوم في عدة مناطق بالبلاد”.
وعلّقت ألمانيا عمليات الترحيل إلى سورية منذ 2012، بسبب الحرب والأوضاع السورية خلال العشرة أعوام الماضية، بعدما استقبلت نحو 790 ألف سوري، أكثر من نصفهم، حسب مركز التبادل الأكاديمي الألماني، أعمارهم أقل من 25 سنة، لتضم أكبر جالية سورية في أوروبا.
وأقر البرلمان الألماني “البوندستاغ” سابقاً قانوناً سمح للاجئين في البلاد الحاصلين على حماية ثانوية، أي إقامة مؤقتة (لمدة سنة)، باستقدام عائلاتهم ابتداءً من مطلع آب 2018، وذلك بعد تجميد القرار لمدة عامين، وكان معظمهم من السوريين.
والحماية الثانوية، لا ترقى إلى وضع اللجوء الكامل، وهي بمثابة إقامة مؤقتة تمنح لشخص لا ترى السلطات أنه يستحق الوضعية الكاملة للاجئ (إقامة دائمة)، لكنها تخشى إعادته لبلده الأصلي خوفاً على حياته.
يُذكر أن سورية عقدت خلال تشرين الثاني مؤتمراً دولياً حول “عودة اللاجئين” في قصر “المؤتمرات” بدمشق، كمحاولة في سياق الجهود الحكومية المبذولة لوضع حد لمعاناة السوريين في الخارج الذين هجروا بفعل الإرهاب.